Tuesday 22 December 2020

لا تترحّم على حاكم أبدًا

 | عبدالعزيز البرتاوي


"لا تترحّم على حاكم أبدًا، ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدًا، ولا تقم على قبره. ذنوبه أكثر من أن تُجدي معاها مراحمك واستغفاراتك، وآلاف القطعان من غيرك ستنفق مدامعها تلك الليلة في الترحم والولولة والنواح على جلالته.


انظر أقرب الضعفاء إليك، ممن لا يلتفت لهم أحد ولو بدعوة، وانفق دعواتك المزجاة عليه.


لكأنه لم يعش حياته بالطول والعرض، بينما كنت تسعى لاهثًا في كبَد. حتى إذا أخذه الموت، ولم يكن لأحد أن يوقفه غيره، جئت تهبه من حياتك دعوةً ودمعةً وصدقةً، وتنظر إليه بحزنٍ ميتًا؛ هو الذي لم ينظر إليك حيّا.


تلك بلادة لا حدّ لها، تروّج لها الشعبوية والقطيعية، وتنشرها مفاهيم البلدان الرعوية واحترام الراعي ولو كانت كل حياته سوقك وآلك إلى المسالخ والحراج. وترسخها في الأذهان عموات تأمل التفرقة بين الذئب المحلي والذئاب الخارجية، ويشهق القطيع كله، ثاغيًا أن يحمي الله هذا المرعى، ويطيل عصا راعيه.


ادع لنفسك. ادع لأبيك المتعب. ادع لأمك الواهنة. ادع لعائلتك الكئيبة، القريبة والبعيدة. ادع لجيرانك البؤساء. ادع لضعفاء الناس ومحتاجيهم. ادع لعامل كان يطارده الزعيم الراحل بحجة حماية لقمة الوطن، ادع لعائلته في الغربة، ودع عنك السياسي اللعين، يرفس في قبره، يناقش ملفات منجزاته الوطنية، طالبًا الاستعانة بصديق من السفارة الأمريكية، ولا من سفارة ولا سفير؛ سوى منكرٍ ونكير.


والموتُ لا يجبُّ ما قبله. ولا يمنح الميت الراحل صكًا بالغفران. بل يمنحك تذكارًا للشماتة. والإيحاء إلى الباقين منهم، بسوء المصير، وخاتمة المآل. وأنه آلآن وقد طغيتَ من قبل وتجبّرت؛ فانظر أي خزي تؤول إليه، ولو صلّت عليك الجوامع والكنائس سويةً، ولم تبق لحية شيخ ولا منديل عاهرة لم تخضلّ دمعًا عليك. إن هذا لا يجفف دم المحزونين طيلة محياك في النعيم، وهم في الجحيم.


حين يموت حاكم، تبتسم الأشجار. تتنهد الأحجار، ويعلو موج شاطيء المدينة. يزهر الزهر أبكر، وتشرق الشمس أنظرَ؛ لقد هلكَ ظالم عمّرَ وظلمه طويلا. وحدها الأرض تحزن. لقد جعلوا له في جوفها مستقرًا، ولقد ودّت أن لفظته فلا يجمعه بها صلة ولا تأخذها به رحمة.


حين يموت حاكم، ازهُ. تبسّم. البس أثمن ثيابك. ادع مسكينًا إلى وليمة. اسق شجرة وحيدة. ارمِ قمحًا للطير، وقل لفتاة تعبر الطريق: لقد بدوتِ اليومَ أجمل من ملاك".

No comments:

Post a Comment

 رافِق مَن يشبُهك، وحاوِر من يحترمُك، واستشِر من يحبُّك... وتعايَش مع الجميعِ بالحُسنى