Friday, 5 March 2021

قنينة جسد (اقتباسات ادبية)

قنينةُ جسدْ

في كلِ ليلةٍ وأنا أنفُثُ آخريَ إليّ، أتوهُ في مغاراتِ الصمتِ، تاركاً شيئاً مبهماً عنيَ لا يعرفهُ إلا سطرُ قلبيْ، وتلكَ الفجواتُ التي تتخللُ أصابعيَ أصابها المللُ بيدَ أنَ الفراغاتِ أحدثتْ تأمُلاً في ذاتِ الرؤى لأسكُبَ بداخلِ قنينتي شغفاً متمرداً على ذاتيَ، فالذاتُ أحياناً عصيةٌ لا تتوقُ إلا للإنعزالِ خلفَ مداراتِ اللهفةِ والسكونِ، حينها يتأهبُ الجسدُ ليُصافحَ ذاكَ الشغفَ المسكوبَ بداخلِ قنينةً مُبهمةٍ فتتوهجُ الروحُ أملاً، فالمرءُ بينَ حينٍ وآخرٍ يتعثرُ بأشيائهِ القديمةِ، يتهاوى ما بينَ كبريائهِ والشجنِ، للتوِ تذكرتُ مقولةً لـ محمود درويش حينما قالَ "ولا تنسَ أنَ تملأ الكأسَ من رعشةِ الوريدِ" فحتماً نحنُ أضعنا الدهشةَ التي تسكنُ أغوارَ ذواتنا، راكضينَ نحوَ منتهى اللاشيء، نفتقدُ بريقَ النسيانِ ليُنيرَ لنا عتمةَ أيامنا المُثقلةَ بالذكرياتِ، فالمحطةُ ما زالتْ تنتظُر القطارَ أنْ يعودَ لتمنحُه تذكرةَ عُبورٍ، فكمْ مِن جُرحٍ ينزفُ في دواخِلِنا، وكمْ وجعاً حطَمنا دونَ أنْ يشعُرَ بِنا أحدٌ سِوانا، فأرى ملامحيَ البائسةَ في وجوهِ العابرينْ، في ارتباكاتِ الذهولْ، وها أنا الآنَ أتنفسُ لأحيا فالحياةُ تليقُ بي كثيرًا رُغمَ حُزني المتشعبِ دوماً، أما الزُجاجتانِ فإحداهما بترتْ جُزءاً مِن روحيَ والأُخرى منحتني كاملَ الاحتواءْ.

- عازفة الليل.

No comments:

Post a Comment

 رافِق مَن يشبُهك، وحاوِر من يحترمُك، واستشِر من يحبُّك... وتعايَش مع الجميعِ بالحُسنى